كان قد بشَّرنا وزيرٌ أميركي: بأننا نقِفُ على حافَّـةِ حربٍ إقليميةٍ في المنطقة...
وبشّرنا وزيرٌ فرنسي: باحتمالِ حربٍ أهليةٍ في لبنان.
وسواءٌ وقعتْ هذه الحربُ أو تلك، فنحن نعاني مآسي الحربَيْنِ معاً.
ولكن، نحن بدورنا نبشّرُ الوزيرَ الأميركي: بأنّ الحرب الإقليمية في المنطقة قد انتهتْ بآخر غارة من الحرب «الضروس» التي شنّتها إسرائيل على إيران الأسبوع الفائت، برعايةٍ ومباركةٍ وتنسيق من الشيطان الأميركي الشقيق.
وفي المقابل، نبشّرُ الوزير الفرنسي: بأنَّ الحرب الأهلية في لبنان لنْ تقع: وحسْبُنا أنْ نستشهد بحكمة الشهيد الراحل السيد حسن نصرالله، أيْ «عندما قُتلَ شابٌ يناصرُ حزبَ الله على يدِ إحدى الميليشيات، رفض السيد أنْ يكون السلاح في وجْـهِ السلاح، وقال: حتى ولَـوْ قُتِلَ منّا ألفٌ منعاً للفتنـة»...(1)
الحربُ التي شنّتها إيران على إسرائيل إنتقاماً للشهيد حسن نصرالله، أدّتْ إلى قتل رجلٍ واحد في إسرائيل... والـردّ الإسرائيلي على إيران بمئةِ طائرة أدَّى إلى قتلِ أربعةِ جنود إيرانيين.
فيما الحرب الحقيقية الضَروس هي التي تقع على إسرائيل من لبنان، وعلى إيران في لبنان وغزّة، وكانت حصيلتُها حتى الآن، مئاتٍ من المدن المحروقة، ومئات الألوف من النازحين، وألوفاً من الشهداء الذين عند ربهم يُرزقون
ولكنْ، لماذا تقع الحرب في المطلق؟ وهل تكون الحروب من أجل خدمة الشعوب، أو تكون الشعوب من أجل خدمة الحروب؟
إذا كان لا بدّ من الحرب من أجل خدمة الشعب، فيجب أن تخضع للقياس العقلي، لا لجنون العظَمةِ المعروف بالجنون السلبي الذي يؤدّي إلى زوال وظائف العقل: أيْ إنّهُ جنون: هولاكو في بغداد، وتيمورلنك في الشام، ونيرون في روما.
الأديان السماوية تتصّدى لعنف جنون الحرب بعنف الإيمان الروحي.
عندما تعرّض لبنان لجنون الإجتياح الإسرائيلي سنة 1982 ركَعَ الباب يوحنا بولس الثاني والأم تريزا معاً ليرفعا الصلاة من أجل السلام في لبنان.(2)
والبابا فرنسيس ركعَ أمام زعماء جنود السودان المتحاربين، متمنياً عليهم وقفَ الحرب...(3)
والغرَضُ من الحرب في الإسلام هو الدفاع عن النفس: «قاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا...»(4) حتى إنّ «أباحنيفة والشافعي» يؤكّدان أنّ الإسلام يحرِّمُ بيعَ السلاح للفتنة وأهل الحرب، وإن وُقِّع العقدُ فإنّه يقع باطلاً.
من شأن ملوك الحرب أنْ يتاجروا بدم الشعوب، ومن شأن رجال الدين أن يتلقَّفوا أوزار الحرب وفجائعها الإنسانية.
في الحرب العالمية الأولى رهَن البطريرك الياس الحويّك أملاك الكنيسة، وباعَ البطريرك أنطون عريضة صليب صدره من أجل إطعام الجياع (5).
المسيحية تجْنَحُ للحرب عندما يتحوّل صليب البطريرك عريضة إلى أربعة خناجر... وإذا انقلب الصليب إلى صليب هتلري معقوف تصبح المسيحية منظمةً نازية.
وعندما يتحوّل الإسلام إلى إيديولوجية يبطل أن يكون رسالة، والدولة العثمانية عندما تحوّلت إلى إيديولوجية بطَشَ الخلفاء بأخوانهم وأبنائهم للإستئثار بالسلطة وحكمت تركيا العرب على مدى 400 سنة بالحرب والقتل والدم.
ماذا نستخلصُ من هذا العرض التاريخي؟ هل تقع الحرب من أجل الحرب أو من أجل السلام؟ هل الحرب من أجل الموت أو من أجل الحياة، هل هي من أجل خدمة الشعوب أو من أجل خدمة الملوك؟
أمّا وأنْ كُتِبَتْ علينا الحربُ ولا خيار، فعلينا أن نلتقط من أثمانها الباهظة ما يمكن توظيفهُ من أجل وحدة لبنان وقيام لبنان.
1 - الشيخ صادق النابلسي - جريدة الأخبار: 24 أيلول 2024.
2 - من كتاب الأم تريزا - ماريان رافنتل - ص: 151.
3 - جريدة النهار: 2 نيسان 2019.
4 - سورة البقرة القرآنية: 190.
5 - أوراق لبنانية يوسف ابراهيم يزبك الجزء الأول ص: 277.